المذيع الكويتي المستبصر فيصل الدويسان
شخصية ابن سبأ قام أعداء الشيعة إمّا باختلاقها أو بتضخيمها حتى دخلت كتب الفريقين وكأنها أمر مسلم، وكذبوا بزعمهم
أنه هو من أسس التشيع ودعا لولاية علي بن أبي طالب.
أبلغني أحدهم أن المنتج محمد سامي راضي العنزي بدأ بتصوير مسلسل الحسن والحسين ليعرض في شهر رمضان المقبل
وأنهم أخذوا موافقة آية الله العظمى علي السيستاني (ولا أظن ذلك صحيحا) وفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي وغيرهما،
فاستفسرت منه مليا عن كيفية تناول العمل لهذه المرحلة التاريخية الحرجة فطمأنني إلى أن العمل سيرضي الطائفتين
الشيعية والسنية فسعدت.. غير أن السعادة غادرتني حين قرأت على موقع قناة العربية على الانترنت ما صرّح به المنتج
العنزي ان العمل: «مبني على قاعدة حسن الظن بين الصحابة وإظهار مؤامرات اليهود التي أدت للخلافات فيما بينهم»..
والشخصيات الرئيسة في المسلسل هي شخصية الإمامين الحسن والحسين، ومعاوية، ويزيد، وعبد الله بن سبأ.. ويهدف
المسلسل إلى إظهار مؤامرات اليهود في شخصية ابن سبأ، ودوره في إثارة الفتنة بين المسلمين.. وكيف تم الصلح أكثر من
مرة بين علي ومعاوية، واختلفا بسبب دور اليهود في الفتنة، (وهنا انتهى تصريح الأخ محمد العنزي) لتبدأ ملاحظاتي على
فكرة العمل: فعلى ما يبدو أن هدف العمل ليس اظهار سيرة الامامين الهمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهما بقدر ما
هو إصدار صك براءة للذين ولغوا بدماء المسلمين والذين خرجوا على الخليفة الشرعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
في الجمل وصفين.. وللعلم فإن شخصية ابن سبأ قام أعداء الشيعة إمّا باختلاقها أو بتضخيمها حتى دخلت كتب الفريقين
وكأنها أمر مسلم، وكذبوا بزعمهم أنه هو من أسس التشيع ودعا لولاية علي بن أبي طالب، وليت شعري فهل مَن أمر بولاية
علي هو عبدالله بن سبأ أم رسول الله (ص)؟ ففي سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني الجزء الخامس حديث رقم 2223،
قال رسول الله (ص): ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي « قال الألباني: صحيح. فإذا
كان من ينبري لتفسير ولايته بأنها المحبة فكيف والنبي قال (بعدي وليس بعد عثمان) أي أن عليا لا يكون محبا للمؤمنين إلا
بعد وفاة النبي أم أنها الولاية بمعنى أنه الخليفة المفترض الطاعة بعده؟ وهل ابن سبأ هو من يُروى عنه حديث الخلفاء الاثني
عشر أم رسول الله صلى الله عليه وآله، ألم يروِ الطبراني في المعجم الكبير: عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند
النبي (ص) فقال: « يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيما لا يضرهم من خذلهم، ثم همس رسول الله (ص) بكلمة لم أسمعها،
فقلت لأبي: ما الكلمة التي همس بها النبي قال: كلهم من قريش» ولعلكم تلاحظون جملة «من خذلهم» والتي لا تنطبق إلا
على خذلان الناس لأئمة أهل البيت وعدم استحسانهم صيرورة الأمر إليهم.. وهل ابن سبأ القائل لعلي أم رسول الله
(ص): «إن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني
وإن هذه ستخضب من هذا» .رواه الحاكم في (المستدرك) قال الحاكم: صحيح، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح ؛
المستدرك على الصحيحين – الجزء الثالث (رقم الحديث 4686). فهل لهذه الأحاديث علاقة بابن سبأ؟ ورغم الخلاف بين
الباحثين بأن شخصية ابن سبأ قد تكون مختلقة بسبب أنها لم تذكر إلا في مقولات عنه منقولة من أفواه الناس كما ذكر
العلامة مرتضى العسكري رحمة الله عليه إضافة إلى أن أغلب الروايات جاءت عن طريق سيف بن عمر التميمي المتوفى
في القرن الثاني الهجري الذي يروي عنه الطبري إذ أجمع أعلام علماء السنة على الحط منه وتكذيبه فقد قال ابن معين
عنه: ضعيف الحديث وقال مرة فليس خير منه وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال أبو داود ليس بشيء وقال النسائي
والدار قطني ضعيف وقال بن عدي بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وقال ابن حبان يروي الموضوعات
عن الاثبات قال وقالوا إنه كان يضع الحديث وقال البرقاني عن الدارقطني متروك الحديث وقال الحاكم اتهم بالزندقة وهو
في الرواية ساقط، كما جاء في تهذيب التهذيب (4 / 259 (فهل يستطيع القائمون على العمل أن يأتونا بسند صحيح لرواية
تذكر ابن سبأ ودوره في هذه الأحداث؟ أم أن كل شيء شائع يُصدق!! فإذا كان الشيوع هو دليل على الصدق فهناك روايات
حتما سيُتهم من يُصدقها بأن مخه ضارب ورغم ذلك فهي مشهورة فثمة مصادر تذكر أن هناك حيوانا اسمه النسناس في
الشحر باليمن له عين واحدة ونصف لحية ويد واحدة ورجل واحدة ويتحدث اللغة العربية وكل حيوان له اسم وكنية مثلنا
تماما ويصطاده أهل المنطقة ويأكلونه مشويا بل ويقول الراوي إن هذا المخلوق يتحدث العربية بطلاقة.. وقد ذكر العلامة
المرحوم مرتضى العسكري مصادر هذه القصة من مصادر الأخوة السنة مثل دغفل، وابن إسحاق، وابن الكلبي، والطبري،
وابن الفقيه الهمداني، والمسعودي وعليّ بن الاثير، كما أني أضيف إليه مصدرا جديدا وهو كتاب المستطرف في كل فن
مستظرف لمحمد بن احمد الأبشيهي في الباب الخامس والستين في ذكر البحار وما فيها من العجائب، إذ ذكر جزيرة
النسناس باليمن وهي مدينة بين جبلين.. إضافة إلى معجم البلدان لياقوت الحموي في مادة الشحر، فإذا كانت هذه المصادر
تروي ما لا يدخل المخ عن حيوان يتحدث فما بالكم باختراع شخصية لبني آدم مثل عبدالله ابن سبأ ورمْي كل البلا على قفاه
والآن يأتي المسلسل ليزيد الطين بلة ليوحي للشيعة أن مناصرتهم لعلي ولأهل بيته بسبب هذا اليهودي،
يتبع